فاطمة الفهري وتأسيس أول جامعة في التاريخ



فاطمة بنت محمد الفهري، ولدت في تونس وهاجرت مع والدها وأسرتها الثرية إلى مدينة فاس بالمغرب أثناء حكم الأدارسة.
لم تتميز نشأة فاطمة بشيء مختلف عن أقرانها وعندما كبرت زوّجها والدها من رجل ثري، لكن لم يمنعها الثراء عن طلب العلم والعمل به فعرفت بأنها امرأة تقية عالمة.
ولم يمض زمن طويل حتى توفي والدها ثم تبعه زوجها فورثت منهما مالاً كثيرًا، وقد عزمت على أن تصرف ما ورثته في الطريق الصحيح، وبعد تفكير رأت أن تضع جزءًا كبيرًا من مالها في بناء جامع يناسب مجتمع فاس يجمع بين العبادة ونشر العلم والمعرفة.

البداية بتوسعة الجامع

قررت فاطمة الفهري في عام ٨٤١م أن تقوم بتوسعة وتجديد بناء مسجد (القرويين) بعد أن ضاق بالمصلين، فضاعفت حجمه بشراء أرض بجانبه وأغرت صاحبها بالأموال حتى ضمتها إلى المسجد، وبذلت مالاً كبيراً بإيمان ورغبة صادقة بما عند الله، وليس هذا فقط بل أشرفت على تشييده بنفسها ووقفت على عمال البناء، واشترطت أن تستخرج كل مواد البناء من الأرض التي اشترتها بحر مالها، ونذرت أن تصوم حتى يكتمل البناء، وبفضل الله ثم وقفتها أصبح الجامع من أرقى الجوامع الإسلامية بهاءً وزُخرفًا وحسن بناء وإتقان.

تحول الجامع إلى جامعة

بعد أن شُيدت جامع القرويين أصبح مكاناً ضخماً يأوي بساحاته الفسيحة المصلين وطلاب العلم، حتى غدا مكاناً ضخماً للتعليم الديني والمناظرات العلمية، وأصبح فيما بعد جامعة للعلم يدرس فيه الطلاب علوم القرآن والدين والقانون وفنون النثر والشعر والكتابة والحساب وعلم المنطق والجغرافيا والطب وكذلك علم الفلك. وقد توسعت الجامعة عاماً بعد عام وتحسنت الإمكانيات وتطورت الأدوات وطرق التعليم، حتى اجتذبت العلماء والطلبة من كل أنحاء العالم، وعندما ازدحم المتقدمون إليها اضطرت الجامعة إلى إدخال نظام اختيار صارم يعتني باختيار أجود الطلاب عن طريق تقديم اختبارات كما تفعل جامعات اليوم.

الجامعة وقف لطلاب العلم

لم يكن الطلاب في جامعة القرويين يدفعون رسوماً بل كانوا يمنحون إعانات نقدية للطعام والسكن، كان ذلك كله بفضل الهبات التي تقدمها الأوقاف وعائلات الأثرياء، كما أن الجامعة تضم مكتبات ضخمة تحوي داخلها أثمن المخطوطات العريقة وأنقى الكتب العتيقة التي يستفيد منها كل طلاب العلم، وعندما يتخرج منها الطلاب فإنهم يمنحون شهادات جامعية قوية تخولهم تدريس مختلف العلوم والفنون.
لقد كانت جامعة القرويين جامعة عريقة تخرج منها العديد من المسلمين والغربيين الوافدين من شمال إفريقيا والجزيرة العربية وأوروبا، أيضًا كان لها دور سياسي قوي حيث يشير التاريخ إلى إن العديد من القرارات السياسية الحاسمة من بيعة وحرب وسِلم كانت تخرج بتوقيعات علماء جامع القرويين.
أول جامعة في التاريخ
نعم استطاعت التقيّة والعالمة فاطمة الفهري أن تضع نواة أول جامعة في التاريخ ببنائها جامع القرويين الذي أصبح حتى اليوم جامعة قائمة تحت اسم (جامعة القرويين) وسبب تسمية (القرويين) نسبة إلى القيروان مدينة فاطمة الفهري.
وقد قال عبد الرحمن بن خلدون عن فاطمة الفهري: "فكأنما نبهت عزائم الملوك بعدها، وهذا فضل يؤتيه لمن يشاء من عباده الصالحين، فسبحانه وتعالى إذا أراد لأمة الرقي والرفعة وأذن لها بالسعادة الغامرة أيقظ من بين أفرادها رجالاً ونساءً، شباباً وشيوخاً، أيقظ فيهم وجداناً شريفاً وشعورًا عالياً يدفعهم للقيام بصالح الأعمال وأشرفها وما كان من أجل الدنيا والآخرة".
----------------
*المصدر: كتاب "ملهمون" تأليف صالح بن محمد الخزيم

تعليقات

  1. الأوقاف أقامت مجتمعاتنا الاسلامية في السابق فأنشت السبل (جمع سبيل) وهي مستودعات الماء بالمجان والبارميستانات (المستشفيات الخيرية) وحتى دور العلم من الجوامع إلى الجامعات.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التشبيك والشبكات انطلاقة جديدة للمجتمع المدني

التجربة السنغافورية.. نظام مدرسي بلا امتحانات أو درجات!

رحلة البحث عن الحقيقة.. من جاري ميلر إلى عبدالأحد عمر