التشبيك والشبكات انطلاقة جديدة للمجتمع المدني


مفهوم التشبيك وتكوين الشبكات بين المنظمات الأهلية يمثل انطلاقة جديدة وفاعلة للمجتمع المدني حيث أن هذا القطاع كان مستبعداً في الستينات والسبعينات من عملية التخطيط والتنمية وصناعة القرار في الغالبية العظمى من دول العالم وكان يتم الاقتصار والاعتماد على خبرات الحكومات وإرادة النخبة الحاكمة فكان التخطيط التنموي يتم من أعلى إلى أسفل ودون مشاركة حقيقية للقاعدة الجماهيرية العريضة مما نتج عنه ضعف المردود والعائد التنموي إلى حد كبير وهذه سنة التغيير من القمة يدور مع أشخاص وجوداً وعدماً بخلاف التغيير من القاعدة الذي يرتبط بفكرة مجردة تصب في مصلحة المجتمع فغالباً ما يكتب لها النجاح والبقاء وتحقيق الأهداف المرجوة منها . في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات بدأت تجمعات جديدة تبرز على ساحة المجتمع المدني أطلقت على نفسها اسم الشبكات وأخذت على عاتقها طرح مبادرات تحمل رؤى وممارسات جديدة في العمل المدني والتنموي تهدف إلى دعم الجهود التطوعية لتحقيق التنمية من خلال المشاركة بين أطراف المجتمع المدني والقطاع الخاص وصناع القرار.
كما تهدف إلى تجميع أكبر قدر من الخبرات والمهارات وإتاحة المعلومات والبيانات حول الهدف المشترك وتفعيل الأدوار المساندة لمؤسسات المجتمع المدني لتمكينها من اتخاذ مبادرات فعالة تجاه القضايا التنموية.
وبالرغم من حداثة فكرة التشبيك على منظمات المجتمع المدني المصري وانتشارها ببطء إلا أنه يمثل نقطة ضوء في تمكين المنظمات الأهلية غير الحكومية من تأدية دورها في تفعيل المشاركة الشعبية في صنع القرارات التنموية كما تمثل فرصة لبناء القدرات المؤسسية لتلك الجمعيات وتمكينها من فنون إدارة العمل المدني كما أنه يوفر مناخ التنسيق بين جهود الدعوة وزيادة وعي المجتمع ومشاركته في حل مختلف القضايا العامة والتنموية.

تعريف الشبكة
وتعرف الشبكة بأنها تحالف تطوعي بين الأفراد أو المنظمات يتضمن تعبئة قدراتها المشتركة ومواردها لدعم قدرات الشبكة وزيادة تأثيرها الخارجي بهدف تحقيق أهداف مشتركة ومصالح عامة بشرط أن تحتفظ كل منظمة أو جمعية باستقلاليتها ويجوز ضم هيئات من القطاع الحكومي أو الخاص مع القطاع المدني في شبكة ويعرف مركز خدمات المنظمات غير الحكومية التشبيك بأنه: التخطيط لتعاون منظم بين طرفين أو أكثر من منظمات المجتمع المدني أو أفراد مهتمين بهذا القطاع يهدف لتبادل الخبرات والمعلومات والعمل المشترك في خدمة وتنمية المجتمع.
بينما يرى الدكتور فتحي أبو عيانة  ــ العميد الأسبق  لجامعة بيروت ــ أن التشبيك هو شكل من أشكال التحالف أو التعاون المشترك بين جمعيات أهلية يقوم على المساندة المشتركة لقضية أو أكثر من قضايا التنمية يستعد الحلفاء فيها لتنفيذ بعض أو كل الخطط المتفق عليها ولكن يظل أهم ما يميز فكرة التشبيك هو اجتماع وتفاعل إمكانات الموارد البشرية والفنية والمالية حول قضية أو أكثر بعد أن كانت مشتتة بين جمعيات ومنظمات يملك بعضها التمويل والإدارة بينما يملك الآخرين الخبرة الفنية أو قدرات بشرية تطوعية نجحت الشبكة في توحيد الاستفادة من هذه الموارد جميعاً.
ولعل من الأمثلة الرائعة على نجاح فكرة التشبيك تكوين عدة شبكات من مختلف محافظات الجمهورية مثل شبكة دعم حقوق المرأة المعيلة بالإسكندرية، شبكة الحقوق الثقافية لطفل العشوائيات بالجيزة، وشبكة رعاية طفل ما قبل المدرسة ومنتدى التنمية البشرية للشباب كما نجري محاولة الآن لإنشاء شبكة لدعم حقوق الإنسان والحريات.

التشبيك إيجابيات وسلبيات
استعراض النواحي الإيجابية والسلبية لمفهوم التشبيك يجعل القائمين على المنظمات الأهلية يعظمون الاستفادة من الإيجابيات ويعالجوا في نفس الوقت السلبيات الواردة افتراضا عند تكوينهم هذه الشبكات ولقد فندت دراسة قيمة ــ أعدتها الباحثة مديحة سالم والدكتور حسني يونس بعنوان "مفاهيم التشبيك" قدمت إلى شبكة دعم حقوق المرأة المعيلة ــ هذه الجوانب على النحو التالي:
أولاً: النواحي الإيجابية     
·        توسيع نطاق وقاعدة الدعم المتاحة لأهداف الدعوة من خلال العمل الجماعي المشترك بما لا تستطيع هيئة واحدة منفردة.     
·        تعظيم حجم التمويل والموارد المتاحة لتحقيق أهداف الدعوة بتجميعها في إطار واحد وتوزيع مسئوليات العمل والرقابة على مختلف أطراف التحالف.    
·        تعزيز مصداقية جهود الدعوة بصفة عامة وجهود مصداقية كل من أعضاء التحالف بصفة خاصة.
·        المساعدة على خلق كوادر قيادية جديدة والتدعيم المؤسسي لكل طرف.
·        توسيع نطاق الأعمال والأنشطة. 
ثانياً: النواحي السلبية 
·        ربما ساهم في تشتيت الاهتمام عن العمل الأساسي للمؤسسة ·    
·        ربما تطلب الانضمام لأحد التحالفات التنازل عن مواقف مبدئية تجاه القضايا المطروحة أو أسلوب التفاعل معها.
·        ربما لا يحصل أعضاء التحالف عادة على التقدير اللائق نظير جهودهم في سبيل تحقيق أهداف الشبكة إذ ينسب الفضل إلى التحالف ككل غير أن التحالفات التي تنشأ على أساس سليم تعمل على إبراز الجهود الفردية لأعضائها.
·        إذا انفرط عقد التحالف لسبب أو آخر قد يؤثر ذلك سلباً على مصداقية كل عضو من أعضائه المحسن والمسيء أو المجتهد والمقل على السواء.

ولكن لابد من الإشارة أن تعظيم هذه الإيجابيات وتقليل السلبيات مرهون بحسن أداء منسق الشبكة (الجمعية أو الهيئة التي تتولى تنسيق الأعمال الإدارية والمالية للشبكة) لأن التجربة المصرية في تكوين الشبكات تشير للأسف باستئثار العضو المنسق بنصيب الأسد ليس في الإدارة والتمويل فحسب بل والتدريب والتقدير والتسويق والدعاية مما يهدد نجاح هذه التجربة الوليدة.
ويكمن العنصر الثاني في نجاح عملية التشبيك هو إحسان اختيار الشريك أو الشركاء في الشبكة من حيث القدرة والرغبة والاستعداد فلابد من تمحيص قدرات الأطراف المؤسسية ومدى الانسجام والتوافق مع ميادين عمل الشبكة والاستعداد لتقبل فكرة العمل الجماعي أو روح الفريق (workTeam).

بتحقيق هذين العنصرين ضبط حوكمة أداء وإدارة العضو المنسق للشبكة وإحسان اختيار الشركاء والحلفاء فيها يمكن تعظيم الإيجابيات وتلبية احتياجات المنظمات الأهلية من التشبيك حيث الرغبة في زيادة عدد المستفيدين من خدمات الجمعية وزيادة مواردها وتوفير فرصة التدريب والتأهيل المؤسسي للعاملين بالجمعية وزيادة المشاركة المجتمعية وتأثير الجمعية في المجتمع.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التجربة السنغافورية.. نظام مدرسي بلا امتحانات أو درجات!

رحلة البحث عن الحقيقة.. من جاري ميلر إلى عبدالأحد عمر