دعونا نختلف باحترام


إن الاختلاف سنة كونية بداية من اختلاف الليل والنهار والفصول الأربعة إلى اختلاف ألوان البشر وطبائعهم وأعرافهم ومعتقداتهم، واختلاف الطبيعة والبيئة من بلد لآخر.
قديماً قالوا: "لولا اختلاف الأراء لبارت السلع"، وقال الأصوليون: "اختلاف العلماء رحمة"
ولكي تتحقق الرحمة لابد من إدراك الحكمة الألهية من وجود الاختلاف لأجل تحقيق التنوع والتعدد والتكامل، وأن منبع الاختلاف يرجع إلى البيئة وأساليب التربية وظروف النشأة والمزاجية والحالة التي يكون عليها الإنسان وقت النقاش وعرض الأفكار.
والحكيم من يجعل هذا الاختلاف مصدراً للحلول والبدائل والتفكير الإبداعي والرؤى المبتكرة والأفكار المستحدثة من خارج الصندوق (أي من خارج البيئة ومجال العمل والخبرة الشخصية) إلى آفاق فسيحة.
نعم إن الاختلاف قد يولد تدافع، وهو تدافع مطلوب لعمارة الأرض مصداقا لقول الله تعالى: ((وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)) سورة البقرة، لكن ينبغي أن يكون هذا التدافع بمنتهى الأدب والاحترام لقوله تعالى: ((ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)) سورة فصلت.
لذا لا يليق بنا ونحن نتواصل فيما بيننا على مواقع التواصل الاجتماعي مثلاً أن ننزع إلى تبادل الاحتقار والتسفيه والتقليل من شأن الأخر وربما السباب واللعان بما لا يليق من أناس مثقفين محترمين!
يجب أن نتمسك عند الاختلاف بأخلاق النبلاء، ونجعل من الاختلاف وسيلة للتكامل وليس مجالاً للصراع، بل مجال لاكتساب الخبرات وتفتح العقل وازدهار الشخصية، وبالتالي إفساح المجال أمام الأخرين للتعبير عن أرائهم وأفكارهم ووجهات النظر دون تسفيه أو تحقير أو تقليل أو اتهامات أو تخوين.
دافع عن رأيك وتمسك به مع إعمال عقلك، وأقبل التصويب دون تعالي فيما يأتيك من الأخرين لتصل إلى الحقيقة أو الصواب أو أحسن الحلول والأوضاع، وليكن شعارك قول الشافعي رحمه الله: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب".
من المنطقي أن نختلف في وجهات النظر والتوجهات عموماً لكن لا يوجد أي منطق في التصرف بهمجية وتعصب لأفكار أساس صحتها من خطأها نسبى بحت، فإياك ثم إياك أن يؤدي بك الاختلاف إلى الخلاف والتنافر وسوء الأدب والخلق فهذه هي الطامة الكبرى، وتذكر قول الأوائل: "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التشبيك والشبكات انطلاقة جديدة للمجتمع المدني

التجربة السنغافورية.. نظام مدرسي بلا امتحانات أو درجات!

رحلة البحث عن الحقيقة.. من جاري ميلر إلى عبدالأحد عمر