زهرة عمان: محو أمية أبناء قريتي مسؤوليتي

نحن أمام مبادرة فريدة بطلتها سيدة عمانية تدعى "زهرة العوفية" وقد كان لها من اسمها نصيب وافر، فأصبحت بمبادرتها "زهرة عمان" بحصولها على المركز الأول لجائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي عام 2017، وكرمت ضمن أكثر 10 سيدات مؤثرات على مستوى الوطن العربي في بيروت عام 2018، وأخيرا فازت بجائزة مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة/مبادرة تحدي الأمية عام 2020، وذلك نظير جهودها في مجال التعليم ومحو الأمية، وذلك بعد ترشيحها من قبل مكتب منظمة اليونسكو للعلوم والثقافة بعمان.

القصة الملهمة

المواطنة العمانية زهرة بنت سالم العوفية من ولاية الحمراء تبلغ من العمر 50 عامًا، وهي أم لـ 7 من الأبناء “من رحمها”، ولـ 500 فرد ينهلون منها “التعليم والرعاية والأمومة” عبر 22 مدرسة.

استعرضت زهرة لـموقع "أثير" العماني البدايات:

” لم أُكمل تعليمي الدراسي فقد تعلمت حتى الصف الخامس وبعدها تزوجت، إلا أن هذا لم يمنعني من تعليم نفسي وتثقيفها فاشتريت كتبًا وروايات عالمية وبدأت أقرأ ، وربيت أبنائي على حب العلم والمدرسة حتى أصبح منهم الطبيب والمهندس والمحامي ولله الفضل، وعندما كبر أبنائي أحسست بالفراغ وقلة المسؤولية وفكرت أن أفتح فصلًا دراسيًا في بيتي، فبدأت أعلم القرآن الكريم في شهر يونيو من عام 2007م مع بداية العطلة الصيفية، وكان عدد الطلاب لا يتجاوز 20 طالبًا وطالبة حيث كانوا يحفظون بسرعة فائقة مما جعل الناس يتداولون الخبر، وبدأ عددهم يزيد حتى أصبحت غير قادرة على توفير المال اللازم لشراء الهدايا لتحفيزهم، وبعد ذلك فكرت في عمل مشروع بسيطٍ من المنزل في مجال الطبخ للحصول على المردود المالي، فكنت أطبخ وأحصل على المال اللازم للتعليم، ولكن علي قبل ذلك أن أضمن التسويق فذهبت إلى مديرات المدارس الحكومية وطلبت منهن أن يخبرن المعلمات بأنني سأقوم ببيع وجبة الإفطار لهن ولله الحمد لقيت كل تسهيل وتفاعل من كل المدارس.

وفي يوم من الأيام اتصلت بي إحدى مديرات المدارس وقالت لي: "أريد منك أن تعلمي الطلاب هنا في المدرسة عندما يكون لديهم حصص (فاضية) فقلت لها: بعون الله سأبدأ من الغد"


جهل الأمهات بنعكس على المستوى التعليمي للأبناء

"لاحظت أن الطلاب الذين جاؤوا من الجبل لا يشاركون كثيرًا وبعضهم ليس لديه ثقة بنفسه ولا يعرفون القراءة بشكل جيد فذهبت إلى مكتب المديرة وقلت لها أريد زيارة قرى الجبل فاستدعت السائق وبدأت أذهب لقرى الجبل بشكل يومي، وفي البداية صدمت مما رأيت؛ نساءً لا يعرفن القراءة ولا الكتابة وأطفالًا في سن الخامسة والسادسة لا يعرفون أساسيات القراءة والكتابة حتى أن الطالب يسجل في الصف الأول وهو لا يعرف مسكة القلم.

بدأت أذهب بشكل يومي مشوارًا طويلًا مسافة 25 كم عبر طرق وعرة جدا ولمدة عامين كاملين، فأذهب كل صباح كي أعلم الأمهات في قرية واحدة”.

توظيف معلمات أخريات بأجر بسيط

وتضيف: "تعبت من المشوار كل يوم وفكرت في أن أطلب أحدًا لمساعدتي وقلت لهم هل يوجد هنا في هذه القرية بنات أنهين دراسة دبلوم التعليم العام فقالوا نعم فطلب منهم إحضار اثنتين، وبعد ذلك طلبت منهن أن يقمن بتعليم أمهاتهن وأخواتهن، وأنا أكثف عملي في البيت كي أحصل على المال اللازم لأشتري الكتب وأدفع مستلزمات الدراسة وأدفع مكافآت شهرية للمعلمات".

توالي افتتاح المدارس (22 مدرسة)

"وافتتحت أول مدرسة في تلك القرية وبعد عام افتتحت مدرسة أخرى في قرية أخرى، وبعد ذلك كثفت العمل في البيت وأصبح العائد أفضل، عندها وظفت جاراتي في مجال الطبخ لمساعدتي وبناتي أيضا بعد الدوام المدرسي يدخلن المطبخ لمساعدتي فأصبح عندي 6 كوادر مدربة يعملن معي في مجال الطبخ، ثم قمت بافتتاح المدارس حتى أصبحت الآن أدير 22 مدرسة تضم 35 معلمة وعدد الدارسات والدارسين فيها 500 طالب وطالبة في 22 قرية، وكل قرية تبعد عن الأخرى لمسافة تتراوح بين 3 كم و20كم

حديث المجتمع

أصبحت زهرة العوفية حديث المجتمع العماني، ولقبت بالعديد من الألقاب منها (الأم المعلمة)، (أم العمانيات)، (الأم المثالية)، (المعلمة الطباخة)، (زهرة عمان)،  ونظم الشعراء في صنيعها شعراً فقال أحدهم:

رَضَت العطاء فأصبحت مرضية        والغيم يعرف زهــــرة العوفية

لما استقلت بالكرامــــــــة والتقى        عكست خصال المرأة العربية

فهي المعلمة التي من نورهـــــــا        ضــــاءت عمـان كواكبا درية

فهي الهـــــــدية من إلاهٍ واهـــبٍ        كيف الهدية كرّمت بهــــــدية!

جوانب إيجابية

برهنت زهرة العوفية أن بإمكان كل إنسان أن يقدم ما يستطيع لخدمة مجتمعه، وبحسب جهده وإخلاصه وانتظار الأجر والمثوبة من الله يعم النفع وتنتشر المبادرة ويتعدد من ورائها الاستفادات التي ربما لم تكن في الحسبان.

بعض الأمهات في هذه الفصول أصبحت تقرأ وتكتب جملاً كاملة وتحفظ من القرآن الكريم أجزاء، أما بالنسبة لطفل ما قبل المدرسة فأصبح طفلا طموحًا بحيث إذا سألته ماذا تريد أن تصبح في المستقبل يقول: طيارا أو دكتورًا أو مهندسًا أو معلمًا، وأصبح الطلاب من هؤلاء يلتحقون بالصف الأول الابتدائي وهم بمستوى جيد وأصبح البيت معاون للمدرسة لأن الأم أصبحت واعية بقيمة العلم وتعرف كيف تتابع أبناءها في دراستهم.

فضلاً عن أن المبادرة وفرت كثير من فرص العمل سواء للمعلمات وخريجات كلية المعلمات، أو اللاتي برعن في مهنة الطبخ وأصبحت تمثل لهن دخلاً إضافياً.

 


تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التشبيك والشبكات انطلاقة جديدة للمجتمع المدني

التجربة السنغافورية.. نظام مدرسي بلا امتحانات أو درجات!

رحلة البحث عن الحقيقة.. من جاري ميلر إلى عبدالأحد عمر