مبادرات واقتصاديات كورونا

أدى تفشي وباء فيروس كورونا في بلدان العالم إلى صدور توصيات مشددة للمواطنين بالبقاء في منازلهم وتقليل الاختلاط وتجنب الأماكن المزدحمة وفرض حظر التجول الشامل أو الجزئي، وأصبح التباعد الاجتماعي هو وسيلة الوقاية الرئيسية لحصر الوباء والسيطرة عليه.

نتج عن تلك الإجراءات المشددة تعرض ملايين الأسر لفقد دخلها نتيجة إجرائيين:

1-    تبطل العمال الذين يعتمدون على الأجر اليومي، ما يعرض ملايين المواطنين للجوع أو يحول بينهم وبين البقاء في بيوتهم والتزامهم بتعليمات منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة في دولهم هربا من مأساة الجوع وهي لا تقل فاجعة عن وباء كورونا.

تمثل العمالة غير المنتظمة في مصر (على سبيل المثال) أكثر من 40% من العاملين في البلاد، البالغ عددهم 30 مليوناً، (أكثر من 12 مليون عامل يعولون 12 مليون اسرة) بحسب أحدث إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري (المصدر: BBCعربي 28-3-2020).

(يعرف العامل غير المنتظم بأنه من يعمل خارج أي مظلة تأمينية أو اجتماعية، ويعتمد على تحصيل أجره بشكل يومي).

2-    تخفيض بعض الشركات لأجور العاملين لديها إلى النصف أو اللجوء إلى إغلاق المنشأة التجارية أو الصناعية وتسريح العاملين لديها نتيجة القوة القاهرة (انتشار وباء كورونا).

ويمكن تخيل مدى المعاناة التي تعيشها هاتان الفئتان وأسرهم مما ينذر بمخاطر اجتماعية شديدة الوطأة على الاقتصاد وانعدام الأمن وانتشار الجرائم في المجتمع. 

المسؤولية المجتمعية في مواجهة كورونا

إن هذا الوضع المأسوي يدعو جميع أفراد ومؤسسات وهيئات المجتمع للقيام بدورهم وتفعيل كافة المبادرات لإنقاذ المتضررين من تبعات تفشي وباء كورونا والإجراءات الصحية لمكافحته.

وتمثل هذه الورقة دعوة لجميع أساتذة الجامعات والباحثين المخلصين والمتخصصين في الاقتصاد والاجتماع وخبراء سوق العمل ورجال الأعمال ونشطاء العمل النقابي والمهني والخدمة المدنية والعمل الخيري إلى تقديم مقترحاتهم ومبادراتهم ودراساتهم وتصوراتهم لعلاج هذا الوضع المتأزم، والذي لن يستثنى أحد من مخاطره.

وأهم المجالات التي نحتاج أن نتعاون ونتضافر لتقديم حلول لها في ظل هذه الجائحة ما يلي:

1-    التأمين الصحي: الوصول لتصور يؤمن الاحتياجات الصحية لمثل هذه الأسر، والذي يمكن أن يكون عن طريق:

•        كروت صحية تصرفها المستوصفات والمستشفيات إلى هذه الأسر ويمكن أن تنظمها الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني.

•        كروت لصرف الدواء من الصيدليات ويمكن الاستفادة من تجربة "الدواءللجميع" التي طبقتها بعض المؤسسات الخيرية في مصر (بجمع الأدوية الفائضة عن حاجة الأسر وفرزها وتصنيفها والاطمئنان على صلاحيتها للاستخدام تحت إشراف طبي صيدلي).

2-    الأمن الغذائي: عن طريق تأمين الاحتياجات الغذائية الأساسية شهرياً لهذه الأسر ويمكن ان تأخذ عدة أشكال:

•        سلة غذائية متكاملة تجهزها جمعيات خيرية أو شبكات متعاونة (جمعيات تنظم العمل إدارياً – ممولين للمشروع من فاعلي الخير ورجال الأعمال – متطوعين من الشباب والفتيات لتجهيز السلة وايصالها إلى مستحقيها).

•        كارت أمن غذائي يمنح للأسر المتضررة تصرف احتياجاتها  من مجمعات تموينية أو مراكز توزيع المواد الغذائية في حدود مبلغ شهري (تجربة صناع الحياة - مصر).

3-    صناعة فرص العمل: نحتاج إلى شحذ الهمم والأفكار الإبداعية في كيفية صناعة فرص عمل من المنزل:

•        إحياء تجارب الأسر المنتجة وتيسير التراخيص اللازمة لها (تراخيص التصنيع – تربية الدواجن – تراخيص التسويق).

•        إحياء تجارب صناع الحياة (الزراعة في البيوت وعلى الاسطح والحدائق الملحقة وحتى الأراضي المهملة والبائرة) ويمكن للمتخصصين في هذا المجال يدلوا بدلوهم.

•        إحياء الورش والصناعات المنزلية وتقديم الحرفيين دورات للهواة والذين يرغبون في تعلم حرفة أو صنعة وكيفية إدارتها والوصول إلى السوق واستخدام التطبيقات الحديثة في ذلك.

•        استطلاع الوظائف الحديثة والتي تؤدى أون لاين وتدريب الشباب والفتيات عليها في مجال الاتصالات والبرمجة والتصميم وخدمة العملاء أون لاين وما شابه.

•        تيسير تمويل المشروعات الصغيرة وتدريب الراغبين على تأسيس مشروعات على إدارة الأعمال وإعداد دراسات الجدوى وكيفية الوصول للأسواق والمستهلكين. ويمكن الاستفادة من تجربة بنك الفقراء التي طبقت في بنجلادش وأثمرت نتائج هائلة.

4-    الاقتصاد المنزلي وتغيير العادات الاقتصادية الاجتماعية: نحتاج إلى التفكير الجدي وإعادة النظر في قائمة المصروفات الشهرية والموسمية والالتزامات الاجتماعية، ونتدرب على اقتصاديات الأزمة:

•        صناعة الممكن من الاحتياجات اليومية في المنزل (الخبز – الزبادي – الخ).

•        التدرب على عمل الإصلاحات والصيانة المنزلية.

•        التخفيف من المطالبات العائلية لاحتياجات الزواج والاقتصار على الضروريات والاساسيات.

•        فرز دواليب الأسرة من ملابس وأحذية واكسسوارات وأجهزة، اعتماد الصالح منها أو المستخدم والتبرع بالفائض لمن يحتاج إليه ويمكن ان تتخصص جمعيات في جمع هذه الأغراض وتوصيلها لمحتاجيها.

توصيات مهمة:

•        ضرورة إنشاء قواعد بيانات للعاملين بنظام الأجر اليومي والمضارين من إجراءات الحظر الصحي وتصفية الشركات أو حالات تخفيض الأجور ليسهل الوصول إليهم دون الحاجة لتزاحمهم على منافذ صرف الإعانات.

•        إطلاق العنان لمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية لتقديم الدعم للمضارين اقتصادياً من أزمة كورونا وتقديم التيسيرات لإجراءاتها والإعفاء من الرسوم والضرائب.

•        ضرورة إعداد دليل بالمؤسسات والجمعيات العاملة في ميدان تخفيف العبء عن الأسر المضارة من تداعيات وباء كورونا.

•        ضرورة تكوين شبكات تعاون بين جمعيات رجال الأعمال والمؤسسات الخيرية والنقابات المهنية والأفراد المتطوعين للوصول لنتائج ملموسة في هذا المجال. (التتشبيك والشبكات انطلاقة جدية للمجتمع المدني)

•        ضرورة استمرار الدراسات والبحوث الاجتماعية والاقتصادية وتقديم مبادرات وأفكار إبداعية لمواجهة أضرار جائحة كورونا.

ختاماً: لابد من اعتراف وأمل، أما الاعتراف فهو أنني أدين بالفضل إلى أخي الأستاذ طاهر زيتون وهو رجل أعمال في مجال التسويق العقاري، الذي جافاه النوم من التفكير في توابع جائحة كورونا على مجتمعاتنا، ووجدته يهاتفني ويتبادل معي هذا الهم حتى توصلنا إلى هذه الورقة المبدائية التي نأمل أن تنطلق إلى منصات التواصل الاجتماعي وتصل لجميع المعنيين والمختصين ورجال الأعمال والاقتصاد والاجتماع ونشطاء العمل الخيري والمجتمعي، فيفعلوا منها ما يستطيعون، ويضيفوا إليها ما تجود به ألبابهم وعلومهم حتى يعم الخير ونساهم في انقاذ مجتمعاتنا من توابع جائحة كورونا.